لم تعد الشاشات اللبنانية سوى منصّات إعلانية لسياسيين بمواقف تفتقر الى الوطنية، ولفنانين بأخبار تحتاج مصداقية وإعلاميين مُنفصمين بين الشهرة والتنظير. لكنّ فئة واحدة حافظت على مصداقيتها أمام الكاميرا، فعملت ونجحت وأنتجَت وغيّرت لكن من دون أن تكشف عن وجهها أو تبوح بصوتها، فكان هدفها واحداً وهو القبض على انتباهنا في كلّ مرّة وبالجرم المشهود.

أصبحت أخبار تجاوزات المجرمين منتشرة أكثر من إنجازات الأمنيين، حتى بات المواطن يعيش مع شكّ يوميّ بقدرات الأجهزة الأمنية في السيطرة على الجرائم المزدهرة، وعلى اختلاف أحجامها وتوجهاتها، في جميع المناطق اللبنانية من دون استثناء.

ولمّا كاد اللبناني أن يقتنع أنّ «الأمن فلتان»، على كثرة ما يسمعه من تجاوزات وطنية أو مستوردة، لبست محطّة الـMTV جعبتها وسلّمت قيادة المعركة للزميل رياض طوق الذي أمضى آخر 3 سنوات من حياته المهنية يتعقّب في برنامج «بالجرم المشهود» تجّار المخدرات والمجرمين والخارجين على القانون جنباً إلى جنب مع قوى الأمن الداخلي في مختلف المناطق اللبنانية.

نسمع كثيراً عن خطط أمنية مُحكمة يتمّ فرضها في هذه المنطقة وتلك، كما نسمع عن قوانين سير صارمة وتشدّد أمني، وتبقى هذه مجرّد أخبار وخبريات يتمّ تناقلها إعلامياً واجتماعياً من دون نتائج ملموسة على الصعيد الشعبي.

لكن أن ترى بأمّ العين في برنامج «بالجرم المشهود» (MTV الأربعاء 20,45) عمليات دهم أوكار الإرهابيين وتجار المخدرات وبيوت الدعارة والسارقين والقتلة والمجرمين على اختلاف تخصّصاتهم، فإنك تقتنع كمواطن عادي أنّ هناك فِعلاً رجال شرطة يسهرون على تأمين بيئة آمنة لتعيش فيها، وتكتشف كخارج على القانون أنه مهما طالت فترة هروبك، هناك أجهزة أمنية تضمّ في صفوفها أبطالاً كرّسوا حياتهم للقبض عليك اليوم قبل الغد.

«بالجرم المشهود» ليس مجرّد برنامج استقصائي بوليسي، وليس محطّة أسبوعية ترفيهية، بل هو يتعدى هاتين الصفتين ليكتسب بعداً وطنياً فريداً يساعد أجهزة الدولة الأمنية على بسط سطوتها بالتوازي بين أرض الواقع والإعلام لتطبّق مقولة «مَن له أذنان سامعتان فليسمع»، أو «أعذر من أنذر» خصوصاً على مسامع الشبّان والشابّات الأبرياء الذين سيصادفون إغراءات المخدرات والدعارة في مرحلة ما من مشوار الحياة على يد أولئك المتخصّصين في اصطياد الزبائن في أحلك مراحل حياتهم، وباتوا يعرفون من خلال «بالجرم المشهود» أنّ ادعاءات التجّار والمروّجين هي طُعم وليست حقيقة، وقدرتهم على الإفلات من العقاب هي مجرّد خطوة مرحلية وليست دائمة.

منذ الموسم الأول، لم يَسع معدّ برنامج «بالجرم المشهود» ومقدّمه رياض طوق الى تسليط الضوء على قوّة الأمن في تعقّب المجرمين، بل أدار دفّة البرنامج ناحية تثقيف المشاهِد حول طبيعة الجرائم وعقوباتها وكيفية تعاطي الأجهزة الأمنية مع الجرائم المختلفة وبالتحديد مع مرتكبيها، فساهمَ في رفع معنويات الأشخاص المعرَّضين للوقوع في الخطأ وأحبطَ في الوقت نفسه عزيمة أولئك المتبجّحين بقدرتهم على الإفلات مراراً من العقاب.

وحتى هذه الساعة، لم تكن تجربة الزميل طوق فاترة، وإنما حامية إن لناحية الأسماء التي تمّ إلقاء القبض عليها بالجرم المشهود مباشرة أمام عدسات الكاميرا، أو لناحية المناطق التي تمّ توثيق مداهمتها مثل الضاحية الجنوبية وبريتال والزعيترية في الفنار وغيرها الكثير من المناطق المحظورة، أو لناحية الجرائم التي تمّ اكتشاف ملابساتها مع تقديم الشرح التقني الوافي من قبل الإختصاصيين.

ومن بين جميع البرامج الاستقصائية التي ظهرت مداورة على مختلف الشاشات اللبنانية، بقيَ «بالجرم المشهود» المحاولة الوحيدة التي دخلت موسمها الثالث في حين لم تستكمل باقي البرامج موسماً واحداً.

ومن هنا يجدر الوقوقف عند هذه التجربة التلفزيونية الفريدة التي خدمت أطرافها الثلاثة: المحطّة والأجهزة الأمنية المعنية والمشاهد، الذي بقي الطرف الوحيد البريء المقبوض عليه ليس أمنياً وإنما إعلامياً بأحداث وتطورات مثيرة يقدمّها «بالجرم المشهود».

وهكذا ورّط رياض طوق نفسه في برنامج تلفزيوني ينطوي على رسالة أمنية واجتماعية وبمضمون إعلامي خَصب يعوّض بعضاً، إن لم يكن كثيراً، من الفراغ في المشهد الإعلامي اللاهث بمعظمه خلف أخبار السياسيين والفنانين، ومتغاضياً بشكل شبه كلّي عن موضوعات كثيرة تفيد العمق الأمني والإجتماعي في لبنان.

 

(الجمهورية)