لم تندلع المعركة بين حزب الله و«جبهة النصرة» ميدانياً في القلمون بعد، إنما الحرب النفسية التي يشنّها الطرفان افتراضياً غير مسبوقة. استعراض عسكري للحزب بحشد آلاف عدة من مقاتليه على أكثر من جبهة، بالتزامن مع تداول معلومات عن احتمال بدء المعركة في أي لحظة. قابلتها، في المعسكر المقابل، صور لأسلحة متطورة ومشاهد من معسكرات تدريب وتهديد بتصفية العسكريين الأسرى مع بدء المعركة. هذه كلها كانت عدة الحرب النفسية، تهويل وتهويلٌ مقابل تمهيداً لمعركة تُقرع طبولها منذ أسابيع.

في معسكر حزب الله، يُحكى عن «معركة الربيع» كحقيقة واقعة لـ«حماية الحدود اللبنانية من خطر التكفيريين ووقف الاستنزاف»، لكنها لدى «النصرة» غير ذلك. إذ تستبعد قيادة الأخيرة بدءها في المدى المنظور، رغم تأكيدها استعدادها لها. وترى المصادر أن «الحزب لن يدخل في معركة استنزاف طويلة يخسر فيها مئات القتلى في منطقة لا خطر داهماً فيها»، لافتة إلى أن «أولويته في حلب وإدلب واللاذقية لتعويض خسارة النظام». وتعتبر مصادر «النصرة» أن «مبالغة الحزب في الاستعراض والاستثمار الإعلامي لحربه النفسية تكشف أن نيته تقتصر على إرسال رسائل، لا على خوض معركة». وعما يشاع عن مفاوضات بين حزب الله ومجموعات المسلحين لفتح طريق آمن تمهيداً لانسحابهم إلى الداخل السوري، تؤكد مصادر مطّلعة أنها نجحت مع بعض الفصائل، لكنها لم تُحسم مع «النصرة» بعد. غير أن مصادر «النصرة» تنفيها قائلة: «نعتبر الانسحاب خيانة لدماء الشهداء. لو أردنا الانسحاب لانسحبنا من القلمون باتجاه الشمال عندما كان الطريق سالكاً وليس الآن»


وتكشف المعلومات أن هناك انقساماً في أوساط الفصائل المعارضة بين موافق على الانسحاب ورافضٍ له. هذا في ما يتعلق بالمعطيات، أما افتراضياً، فلدى البعض انتهت معركة القلمون قبل أن تبدأ. كان اللبنانيون والسوريون ينامون ويصحون على وقع معركة مرتقبة ستشهدها جرود السلسلة الشرقية وجبالها بين لحظة وأُخرى. تأخّرت المعركة أو أُرجئت، لكن متابعة الحدث لم تتوقف. بلغ الاندفاع أوجه، فكان أمس نهار الشائعات من دون منازع. غزارة الأخبار الكاذبة التي بُثّت لا حدود لها. تداولت مواقع إخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي أخبار «انسحاب مسلّحي جبهة النصرة من جرود القلمون»، و«إخلائهم مواقعهم، باستثناء تلة موسى». وتحدثت عن انسحاب المسلحين من جرود بريتال والنبي شيت وعسال الورد، وأن «استكمال الانسحاب سيتم في مرحلة لاحقة». كما جرى تداول أخبار عن اشتباكات بين «النصرة» و«الدولة الإسلامية» في محلة وادي الخيل في جرود عرسال بسبب انسحاب «النصرة» من دون إبلاغ عناصر «الدولة». لكن جميع هذه الأخبار المتداولة نفتها مصادر في «النصرة» لـ«الأخبار»، مؤكدة أن جميع عناصرها لا يزالون في مواقعهم وأن «أي تفاوض لم يحصل وبالتأكيد لم ولن ننسحب». وهدّدت بأنه مع «أي تقدم للحزب أو الجيش اللبناني سنبدأ بإعدام العسكريين تدريجاً»، كاشفة أن «جيش الفتح» صار في القلمون. وأشارت إلى أن تكتّل الفصائل الذي سيُشارك في المعركة سيُعلن عنه في وقت لاحق.
في الميدان، تختلف الحسابات. بالتأكيد لا يوجد مقارنة بالنسبة إلى موازين القوى بين المعسكرين. حزب الله يتفوق في العدة والعديد بشكل كامل. أما «النصرة»، التي يُفترض أنها في موقع المدافع ويُروِّج عناصرها أنها ستلعب دور المهاجم لاستعادة السيطرة على قرى القلمون التي فقدتها قبل نحو عام، فقد خبرت الجرود ودروبها طوال السنوات الثلاث الماضية. وهي تمتلك صواريخ كورنيت غنمتها من اقتحام «مستودعات دنحا ومهين والسين في القلمون» قبل عام، مشيرة الى أن هذه المخازن كانت تحتوي أيضاً على صواريخ «كونكورس» و«غراد» و«ميلان».