لطالما سمعنا من مصادر متعددة عن الميكافيلية و حسب بعض المصادر فأنها تناقض مصادر اخرى.

يعتبر نيقولا ميكافيلي (1469-1527 ميلادية) أول و أعظم فيلسوف سياسي في عصر النهضة Renaissance, وقد تميز سفره الكبير كتاب الامير The Princeعن بقية كتب ذلك العصر السياسية. و قد كان سبب تميزه انذاك لأنه ركز على المشاكل العملية و التي واجهتها الممالك الاوروبية انذاك في سبيل بقائها على سدة الحكم أكثر من تركيزه على القضايا التنبؤية و التي تفسر تأسيس السلطة السياسية.

 

ولأن تركيزه كان كما ذكر, فإن هذا الكتاب كان عبارة عن كتاب سياسي مجرد بكل ماتعنيه الكلمة. فمن ذلك, فإن السياسة الحكومية تبنى على كيفية الاحتفاظ بالقوة أكثر من اتباع المبادئ. بعبارة اقل ادباً, كيفية الاحتفاظ بالقوة يحدد نوع المبادئ المستخدمة, أي أن الغاية تبرر الوسيلة.

ولد ميكافيلي Machiavelliعام 1469 ميلادية في فلورنسا, إيطاليا, انظر للخريطة, في وقت كانت فيه هذه الدولة في قمة هيجانها السياسي, فقد كانت إيطاليا أنذاك مقسمة بين اربع مدن رئيسية مهيمنة أشبه بالولايات المنفصلة. و قد كانت كل مدينة منهن و على الدوام تحت رحمة أي من الحكومات الاوروبية الأخرى الأقوى.

 

و منذ عام 1434 م, أي قبل ميلاد ميكافيلي بحوالي 35 عاماً, فإن مسقط رأسه فلورنسا كانت تحت حكم عائلة ميدسي Mediciالثرية جداً, و قد تعرض حكم هذه العائلة ذات مرة للإنقطاع بسبب حركة إصلاحية نشات عام 1494 م, ذلك العام الذي أصبح فيه ميكافيلي الشاب ذو ال 25 ربيعاً دبلوماسياً مهماً.

 

و عندما استعادت عائلة ميدسي مقاليد الحكم و قوة السلطة عام 1512 م بمساعدة  الجيوش الأسبانية, فقد تم إلقاء القبض على ميكافيلي و تعذيبه و من ثم اقصائه عن الحياة الشعبية العامة.

و خلال ال 10 سنوات التالية, كرس ميكافيلي جُل وقته لكتابة التاريخ, فلسفة السياسة, بل و حتى بعض الأعمال المسرحية.

و في نهاية مطاف تلك السنين ال 10 وجد نفسه قد نال رضى عائلة ميدسي الحاكمة و تم استدعاؤه عام 1525 م لممارسة بعض النشاطات الشعبية و ذلك قبل سنتين من وفاته.

و كما ذكر انفاً, فقد كان أعظم عمل قام به ميكافيلي هو تأليف ذلك الكتاب المسمى "الأمير" الذي انتهى من تأليفه عام 1513 م, أي عندما كان عمره 44 عاماً و قد تم نشره بعد  وفاته وب 5 سنوات, أي عام 1532 م. و قد واجه نشر هذا الكتاب جدلاً واسعاً, ساهم في انتشاره حتى وصل الخبر الى أذان البابا كلمنت الثامن و الذي بادر بشجبه و إدانته.

 

و قد كان الشعار الفعلي لهذا الكتاب هو أن الأمراء يجب أن يحتفظوا بالسيطرة المطلقة لمقاطعاتهم. و أيضاً يجب أن يستخدموا أي وسيلة أكثر ملاءمة للوضع ليحققوا تلك الغاية بما فيها الخداع و المكر و الكذب.

 

و قد وقع الأكاديميون كثيراً في حيص بيص في محاولة فهم النقطة الدقيقة التي كان يقصدها ميكافيلي نفسه, و تولد عن ذلك اراء متنازعة مختلفة حول نيته الحقيقية, هل كما سطرت, أم أن تلك الأسطر كانت مجرد شرح و تعرية غير مباشرة لما كان يراه؟

ففي عدة فصول من هذا الكتاب, مدح ميكافيلي قيصر بورغيا, ذلك الأسباني الاوروستقراطي الذي أشتهر بسوء سمعته و أصبح محتقراً لإستبداده و طغيانه في منطقة رومانيا Romagnaفي شمال إيطاليا.

 

 

و من خلال سنوات ميكافيلي الأولى و التي اشتغل فيها كدبلوماسي, فقد كان على اتصال ببورغيا و كان شاهداً على حكمه منذ البدء.

 

والان نتساءل: هل نظر ميكافيلي لبورغيا كنموذج مثالي للأمير؟ فبعض القراء لذلك الكتاب يظنون لأول وهلة أن كتاب الأمير The Princeمجرد كتاب ساخر بمرارة من الحكام الديكتاتوريين الذين يحكمون بقبضة حديدية مثل الأمير قيصر بورغيا, حيث أن هذا الكتاب صور مدى الإشمئزاز الذي يسببه الحاكم التعسفي الاستبدادي ذو الحكم المطلق, و قد نظر قراء هذا الكتاب ان كل عبارات ميكافيلي كانت تقتضي ضمناً و بشكل غير مباشر أهمية الحرية.

و لكن هذه النظرة التي كادت ان تسود و بعد ثلاثة قرون و تحديداً في عام 1810 م تحطمت الى شظايا بعد أن تم اكتشاف رسالة خاصة لميكافيلي و التي عكس من خلالها أنه كتب كتاب الأمير لكي يتملق ويتودد الى عائلة ميدسي الحاكمة في فلورنسا.

و لكي يتم تحرير إيطاليا من هيمنة و تأثير الحكومات الأوروبية الأجنبية, فقد ذكر ميكافيلي أن وجود حكومات وطنية قوية أمر مهم حتى و ولو كانت متسلطة و تحكم حكماً مطلقاً.

لقد افتتح ميكافيلي كتابه الأمير بالتحدث عن الطرازين الأساسين لشكل الحكومة:

 

1. الممالك monarchies

2. الجمهوريات republics

 

و قد كان تركيزه في هذا الكتاب على الممالك. و أكثر وجهات النظر التي أثارت جدلاً واسعاً حول تحليلات ميكافيلي, توجد في أبواب الكتاب الوسطى.

 

ففي الباب الخامس عشر فقد وضع اقتراحاً يشرح وجهة نظره حول كيف يجب أن تحيا المملكة و تستمر بدلاً من تسديد النصائح حول المثل و الأخلاقية النبيلة.

 

فقد فسر تلك المناقب و الفضائل virtuesو التي نعتقد نحن أن الأمير, أي أمير, يجب أن يتخلق بها ظاهرياً. و قد اختتم ذلك الفصل برأيه أن بعض تلك الفضائل ستقود الى انهيار سلطة ذلك الأمير بينما التخصل ببعض الرذائل و الدنايا vicesستؤدي حتماً الى استمرار ذلك الأمير على السلطة. هذا ماكان يراه ميكافيلي.

إضافة الى ذلك, فإن تلك الفضائل التي غالباً مانمتدحها نحن في البشر من المحتمل أنها تؤدي الى السقوط النهائي للأمير.

 

ففي الباب السادس عشر, بالمناسبة هو كتيب و ليس كتاب, فقد لاحظ أننا عادة نعتقد انه من الأفضل للأمير أن يكون كريماً من أجل السمعة الطيبة. و لكن إذا كان الأمير كريماً في السر أو بعبارة اخرى لاتعلم يمينه ماتنفق شماله, فإنه لا أحد سيعلم بكرم ذاك الأمير و سينظر اليه على أنه شخص بخيل. ولكن لو كان كرم ذلك الأمير بشكل عياني فإن المخاطر ستتحطم و سيحظى هذا الأمير بتقدير كبير و احترام اكبر بين مواطنيه.

 

و قد استكمل ميكافيلي ملاحظته قائلاً في ذلك الباب: و هذا الأمر سيؤدي بعد ذلك لأن يبتز الأمير أموالاً أكثر من رعيته مما يؤدي لأن يكون مكورهاً بينهم.

ماسبق كان مجرد ملاحظة من ميكافيلي لما كان يزعم انه يراه و ليس رأيه الشخصي, حيث طرح رأيه الشخصي بعد ذلك قائلاً: إنه من الأفضل للأمير لكي يحظى بالاحترام و الهيبة بين شعبه أن يكون شحيحاً حريصاً. و قد تنبأ ميكافيلي بعدة أمثلة والتي من خلالها يمكن أن يمنح الملوك الكرماء و الذين كانوا ناجحين من قبل.

 

وقد اختتم هذا الباب, اي الباب السادس عشر, أن الكرم لايجب ان يستفيد منه سوى الجنود, من خلال منحهم الغنائم التي تم الاستيلاء عليها و سلبها من خزائن مدن الأعداء.

 

 

في الباب السابع عشر, فقد احتج انه من الأفضل للأمير أن يكون قاسياً عندما يعاقب الرعية أكثر من كونه رحيماً. التعذيب حتى عقوبات الاعدام لا يؤثر الا على قلة من الناس, و لكنها تردع الكثير من الجرائم التي قد تؤثر على الكل.

بل و أكثر من ذلك, فقد ساق حججاً اخرى مفادها, أنه من الأفضل للأمير أن يكون مرهوب الجانب من قبل الرعية اكثر من حبهم له.

و مع ذلك يجب أن يتجنب الأمير أن يكون مكروهاُ و قد ذكر ميكافيلي أنه من السهل نيل الأخيرة من خلال عدم الأعتداء و على ممتلكات رعيته و انتزاعها منهم حيث قال: "الناس تنسى بسرعة من موت ابائهم أكثر من نسيان فقد أموالهم أو أي شئ ورثوه منهم"

 

في الباب الثامن عشر, هذا الباب الذي من المحتمل أنه لإكثر اثارة للجدل في كتاب الأمير, زعم ميكافيلي أن الأمير يجب أن يعرف كيف يكون ماكراً مخادعاً عندما يناسب ذلك هدفه. فعندما يحتاج الأمير أن يكون مخادعاً, فهو لايجب أن يظهر كمخادع. فوق ذلك يجب دائماً أن يتخصل بخمسة فضائل: الرحمة, الصدق, الإنسانية, الإستقامة, التدين.

 

و في الباب التاسع عشر, زعم ميكافيلي أن الأمير يجب أن يتجنب فعل الأشياء التي سوف تجعله مكروهاً. و هذا حسب ماساق من حجج, يتم من خلال عدم نزع الممتلكات, و عدم الضهور كشخص بخيل أو بين بين. في الواقع أفضل طريقة على الإطلاق وفقاً لميكافيلي و لتتجنب الإقصاء من الأمارة هو أن تحذر من أن تصبح مكروهاً.