ماذا عن المسؤولية السياسية لاعترافات ميشال سماحة؟ الرجل كان ركناً من أركان "8 آذار"، وسيطاً بين جماعاتها، وضيفاً على وسائل إعلامها، وناطقاً باسمها، وها هو يعترف بأنه نقل متفجرات في سيارته من دمشق إلى بيروت بهدف قتل أناس محددين.

لم يبقَ شيء إلا وتورّطت به "8 آذار". تفجيرات مساجد طرابلس رعَتها جماعةٌ منها، وأصدر القضاء اتّهاماً رسمياً لرفعت عيد بعلاقته بمنفّذيها. علاقة جنرالها فايز كرم مع الإسرائيليين تم إثباتها أيضاً بحكمٍ قضائي. وإذا اعتبرنا أنّ اتهام المحكمة الدولية خمسة من مسؤولي حزب الله بتنفيذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري أمراً خارجياً ومحاكمة سياسية للحزب، إلاّ أنّ تورط الحزب في القتال في سوريا أمر لا يحتاج قرينة، وهو مخالفة جنائية للقانون اللبناني.

هذه الوقائع كلها بقيت من دون أثمان سياسية، أيّ أنّ الحامل السياسي لهذه القوى والشخصيات، أي 8 آذار، بقي في منأى عن المحاسبة، في وقت دفعت "14 آذار" أثماناً سياسية لوقائع لا يد لها فيها، أو على الأقل لم يثبُت قضائيا وأمنياً أنّ لها يداً فيها.

فأحمد الأسير الذي اتُّهم "تيار المستقبل" بالوقوف وراءه، كان "المستقبل" أوّل ضحاياه في صيدا. ومن نتائج اجتثاث الأسير في صيدا أن تحوّلت المدينة إلى مسرحٍ أمني وعسكري لحزب الله ولسرايا المقاومة التي أنشأها الحزب. ما يعني أن "المستقبل" دفع نفوذه في المدينة ثمن الأسير، الذي لم يكن له يد بظاهرته. 

أمراء المحاور السُنّة في طرابلس، فها هم في السجون، علماً أن القوى التي تقف وراءهم تتساوى 14 و8 آذار في اقتسامها. الرئيس نجيب ميقاتي ليس بعيداً عنها، والرئيس الراحل عمر كرامي "يمون" على الكثير منها، وهذا الكلام قاله حرفياً رفعت عيد لكاتب هذا المقال.

اليوم نحن أمام اعترافات رجل من أركان "8 آذار". وهذه الأخيرة جزء من خصومة كبيرة تشطر البلد، فماذا يُمكن أن تُضفي هذه الاعترافات على هذه الخصومة؟

لقد قال الرجل إنّه أحضر المتفجّرات بسيارته. سلّمه إيّاها اللواء علي مملوك في دمشق، وعاد بها إلى بيروت بصحبة اللواء جميل السيد. هل من وقائع أوضح لكي نبني عليها اتهاماً سياسياً للجماعة التي تقف وراء من أدلى بهذه الاعترافات؟

هل من وقائع أوضح من اعتراف فايز كرم بعمالته لاسرائيل حتى نُطالب بثمن سياسي لهذا الإعتراف؟

نحن لا نتحدث عن اختراقات في قواعد هذه الجماعات، إنما نتحدث عن أركان سياسيين. ميشال سماحة كان "عقل" هذه الجماعة، وفايز كرم كان "أيقونة" عونية كبرى، ورفعت عيد كان بندقيتها في الشمال! وليست "14 آذار" من اتهمهم، إنما القضاء اللبناني.

اللافت أن "8 آذار" لم تُدلِ بدلوها حول هذه الوقائع. لم تشعر بأنها معنيّة بتوضيح. صمتٌ يعقبه مواصلة الغطرسة في اليوم الذي يلي الفضيحة.

المصدر: ناو