مرّ شهر واسبوع على عملية رومية التي انهت اسطورة «الامارة».

 

المؤكّد أمرٌ واحد فقط. الـ 370 سجينا إسلاميا، الامراء السابقون في المبنى «ب»، معزولون تماما عن العالم الخارجي. لا هاتف، ولا انترنت، ولا «رسيفر»، ولا خناجر، ولا خوات، ولا وسائل تواصل اجتماعي ولا امني ولا ارهابي... ما عدا ذلك الامور «مش ماشية» في رومية.

 

يصعب في خلال أسابيع ان يغيّر «الامراء» عاداتهم فيلتزموا قواعد الانضباط المفروضة في المبنى «د» الذي نقلوا اليه بعد عملية المداهمة لطابق الاسلاميين في المبنى «ب» في 12 كانون الثاني الماضي.

 

وفق المعلومات، قام بعض المساجين أكثر من مرّة بالاضراب عن الطعام، فيما لا تزال شريحة كبيرة منهم تهدّد الضباط والعسكر بحياتهم وحياة عائلاتهم تلميحا او مباشرة. طلبات السجناء الاسلاميين لا تتوقّف، وبعضهم يبرز عدائية واضحة، والضغط كبير على الفريق الامني المولج بطيّ صفحة «غرفة العمليات» في سجن رومية. آخر الاخبار فتح تحقيق في المبنى «د» (وهناك تحقيق عدلي مفتوح أيضا بالتوازي) بسبب «احتقانات» مذهبية يصعب «تنفيسها» بين السجناء عند بدء الأذان. استفزازات متبادلة وشتائم و»تكبير كلام»...!

 

هكذا تصبح شكاوى الضباط المولجين بالاشراف على المبنى «د» مشروعة. وفق المعلومات آمر سجن المبنى «د» النقيب كميل بعيني، الضابط الذي انتقل الموقوفون الاسلاميون الى عهدته في المبنى المرمّم حديثا، يجد صعوبة فعلا في التعامل مع «أمراء» وضعوا في قفص محكم بعد ان تمكّنوا طوال السنوات الماضية من التحكّم بالدولة برمّتها من قلب «دويلتهم».

 

مؤخّرا اصدر بعيني أمرا بحلق المساجين شعرهم وذقونهم، بحسب تأكيدات بعض أهالي الموقوفين. عمليا لا نصّ في قانون السجون يمنع إطلاق الذقون. إذا القرار اتى من خارج سياق المتوقّع فقامت قيامة المساجين الاسلاميين وعلت الصرخة، الى الحدّ الذي دفع المعنيين الى التراجع عن القرار، ومن ثم توجيه لوم الى الضابط المسؤول.

 

الاكيد ان ثمّة واقعا جديدا في رومية كان يفرض بعد العملية الامنية النظيفة ان يستتبع بسلسلة تشكيلات أمنية من شأنها ان تُشعِر المساجين الاسلاميين بأن حقبة «الامارة» قد ولّت الى غير رجعة، بما في ذلك من تعوّدوا على اعتبارهم «في الجيبة» من ضباط وعناصر، لكن القرار بالابقاء حتى اليوم على الوجوه نفسها لهؤلاء، يدفع «الاسياد» السابقين للمبنى «ب» الى محاولة فرض أوامرهم مجددا واعتماد الاسلوب نفسه في التعاطي مع العسكر، وحتى مناداتهم بألقابهم العائلية من دون اي احترام للبدلة او الرتبة.

 

ثمّة تململ واضح اليوم في سجن رومية من تأخّر حصول تشكيلات جديدة من المفترض ان تواكب التغييرات الانقلابية التي حصلت مؤخرا. ويتخوّف البعض ان تطول الامور حتى إحالة مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص الى التقاعد في حزيران المقبل.

 

وهو أمر، برأي متابعين، مهمّ جدا كي يشعر «أمراء» المبنى «ب» سابقا بأن عصر المونة وإعطاء الاوامر قد انتهى، وكي يتلمّسوا نفسا جديدا في السجن يصعّب من عملية التكيّف مع الضباط الجدد و»مخاواتهم».

 

يتوزّع اليوم السجناء الاسلاميون الـ 370 على الطابقين الاول والثالث من المبنى «د» (يحتوي على 180 غرفة) بمعدّل 4 او 5 أشخاص داخل الغرفة الواحدة. لا غرف إفرادية، لكنها تستخدم فقط في حال العقوبة او التأديب.

 

وفيما اختلط السجناء الاسلاميون لاول مرة بسجناء جنائيين، إلا ان بعض المتّهمين بجرائم إرهابية رفضوا بشكل مطلق الاختلاط مع سجناء من مذاهب أخرى ما أدى الى توزيع غير مدروس جعل من بعض الغرف «محميات» تضمّ رؤوسا أمنية من العيار نفسه.

 

أما في الغرف التي تضمّ «خلطة مذهبية»، فإنها تشهد احتكاكات وتوتراً من وقت الى آخر، تماما كما يحصل عند الاذان. ومن الطابق الاول يستطيع السجناء الاسلاميون الصراخ عبر الغرف لـ «نصرة اهلنا واخواتنا» في الطابق الثالث!

 

لكن مقابل الضغط الذي لا يزال يمارسه بعض السجناء والذي يصل الى حدّ المطالبة بإدخال التلفزيونات والبرادات ووسائل الراحة مجددا فإن التشدّد الامني في المبنى «د» هو سمة المرحلة.

 

اهالي المساجين يشتكون من الزيارات بالقطارة بمعدّل مرة كل اسبوع (ثلاثاء او الخميس او السبت) ولمدة ربع ساعة. ولائحة الاعتراض تطول: استخدام كارت الهاتف ممنوع كليا الا للمحكومين (وبتهم غير ارهابية فقط). لا طعام من الخارج يدخل الى الغرف. لا نزهات الا بقرار من آمر السجن. تتولى فتيات في السجن تفتيش المنقّبات من اهالي السجناء عند دخولهن، لكن لاول مرة يتولى عنصر من العسكر الكشف عن وجههنّ للتأكّد من الهوية وهو الامر الذي يثير ضجة كبيرة بين السجناء. تفتيش دقيق للسجناء (تجريدهم تماما من ملابسهم) قبل توجّههم الى المركز الطبي او المحكمة، ما يثير حاليا حالة اعتراض قوية.

 

باختصار، لا امتيازات مطلقا. انتهى عصر الدلال والحظوة، كما ان التواصل مع العالم الافتراضي مقطوع كليا، وإمكانية الهرب شبه معدومة.

 

والى جانب النقيب بعيني، هناك اليوم عشر ضباط مساعدون يتولون أمن السجن واحتياجاته. ولا يتوقع بعد انتهاء اعمال الصيانة في المبنى «ب» ان ينتقل اليه السجناء الاسلاميون مجددا بل سجناء من مبان أخرى، اي المحكومين والاحداث.

 

ومنذ انتهاء عملية تفكيك «دويلة» رومية لم يشهد السجن زيارات تفقدية، باستثناء زيارة لمستشار وزير الداخلية العميد منير شعبان وأخرى لمدعي عام التمييز القاضي سمير حمود والمفتش العام العميد انطوان بستاني حيث تفقدا بطريقهما المبنى «د» لبضع دقائق.

 

وحتى اللحظة يحظّر دخول الجمعيات المدنية الى السجن كما جرت العادة، وذلك بغية عدم فتح الباب أمام مطالبات أخرى كدخول «هيئة علماء المسلمين».

 

وينكب ضباط في «فرع المعلومات» على إنهاء التحقيقات بشأن المرحلة السابقة التي أفسحت المجال أمام دخول لائحة كبيرة جدا من الممنوعات، لكن اي استدعاءات للعسكر والضباط لم تحصل حتى الان، فيما تطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى جدية القرار في تحميل المسؤولية ومحاسبة من يجب محاسبتهم، خصوصا ان «عسكر رومية» لم يساهموا في بناء «الامارة» إلا بتغطية مباشرة من المرجعيات السياسية.