يرى مدير تحرير مجلة السياسة الدولية مالك عوني أن نمط السلوك الفارسي ينزع الى الهيمنة بعد بروز حالة عامة من التشكك والعداء بينها وبين الأنظمة الحاكمة في العالم العربي وقد بلغ هذا العداء حد المواجهة العسكرية الصريحة والطويلة في الحرب العراقية - الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي . وقد استغلت ايران عناصر الهشاشة والضعف في بناء الدول العربية وخلافاتها وانكشافها أمام التحديات الخارجية لتؤسس مرتكزات لنفوذها وتأثيرها كمحاولات متدخلة في الشئون الداخلية العربية .

حرك نظام الثورة الاسلامية مبدأ الدفاع عن المكون الشيعي في أكثر من دولة عربية تعاني من أزمة اندماج الوطني بواسطة الدعم المباشر لتفجر صراعات داخلية بينه وبين الأنظمة العربية الحاكمة وتبدو أمثلة على ذلك واضحة في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين .وحركت الدولة الايرانية ملاحتها الدبلوماسية على خط متواز مع سلوكه السلبي في المنطقة في اعتماد سياسات متقاربة مع الدول العربية الخارجة عن الاجماع العربي الرسمي في أطر المؤسسات والتشكيلات العربية كما فعلت مع الحكومات العراقية بعد الغزو الامريكي في عام 2003 وعملت على تعزيز هيمنة المكون الشيعي على المكونات العراقية ومن خلال التقارب مع كل من سلطنة عمان وقطر باعتبارهما على خلاف نسبي مع سياسات مجلس التعاون الخليجي ومع الكويت والامارات العربية المتحدة في اطار السعي لمواجهة تداعيات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها . ويتجلى السلوك الفارسي العدواني في استراتيجية التحالف الايراني – السوري والتي تطورت تدريجياً بين نظام ولي الفقيه ونظام آل الأسد\ البعثي العلماني لتصل الى مستوى التورط المباشر لقوات من الحرس الثوري الايراني الى جانب حزب الله اللبناني في القتال الدائر في سوريا .

لقد استغلت ايران حالة الضعف التي تواجهها أنظمة أو تنظيمات عربية سُنية المذهب واحتياجها الى دعم خارجي في مواجهة تحديات خارجية أو داخلية ما يمنح ايران مساحة نفوذ وهيمنة في دوائر صنع القرار في هذه الأنظمة أو التنظيمات . ومن الأمثلة البارزة في هذا الاطار نظام حكم البشير وحركة حماس في قطاع غزّة وتنظيم القاعدة السُني السلفي الجهادي من خلال توفير ملاذ آمن لعناصره بعد فرارهم من أفغانستان اثر غزو الولايات المتحدة لها في عام 2001 وقد استمرت هذه الحماية الايرانية لتنظيم القاعدة حتى الانسحاب الأمريكي من العراق في عام 2010.

ان الدول العربية المريضة بمرض اثني بنيوي قد أخفق في تأسيس تكامل وطني في ظل دول ما بعد الاستقلال الأمر الذي جعل منها مناطق رخوة تشهد الآن صراعات فعلية مع ايران في محاولة منها لمقاومة مساعي ايران للهيمنة على المنطقة بفعل المساهمة على تفكيك عدد من الدول العربية بواسطة المنطق الطائفي وخاصة في منطقة الشام والعراق ومنطق الارهاب الذي تحول الى تنظيمات ساعية الى تأسيس كيانات سياسية .