اعتبر "ممانعون" عُصبويون أهليون لبنانيون أنّ الغارة الإسرائيلية على موكبٍ إيراني قُتل فيها قادة عسكريون من "حزب الله"، تُعرّي مقولة خصومهم المتمثّلة بـ"تأجيل" فتح جبهة الجولان، عبر استئجار جبهات موازية. فعسكريّو "حزب الله" ومن ورائه الحرس الثوري كانوا ذاهبون لفتح هذه الجبهة عندما أغارت المروحيات الإسرائيلية على موكبهم.

والحال أنّني ممّن كانوا يشيرون إلى أن ستاتيكو الجولان في مقابل الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان أمرٌ لا يروق للبنانيّتي، التي أعترف أنها مستجدّة على وعيي. وهنا أيضاً يجب أن استتبع اعترافاتي هذه بالإشارة إلى أن اللحظة اللبنانية التي اختير فيها الجنوب ليكون مسرحاً للمواجهة، تشبه إلى حدٍ كبير اللحظة السورية التي تحرّك موكب الحرس الثوري الإيراني على وقعها، متجهاً إلى القنيطرة. إنها المقاومة على وقع النزاع الأهلي.

فسورية "المستقرة" في عهد الأسد الأب والأسد الابن، لم تكن يوماً قابلة لفتح الجبهة في الجولان. سورية الحرب الأهلية – الإقليمية تتيح للموكب أن يتحرك، وتتيح لإسرائيل أن تقصفه. لكن سورية الممانعة وسورية البعث وسورية النظام الذي تسعون لحمايته ليس هذا همّه، كما أنه ليس همّكم.

إنها قناع جديد للحرب الأهلية أيها الممانعون. المقاومة ليست سوى حرب أهلية، ودعوة إسرائيل إلى هذه الوليمة لطالما شكّلت مخرجاً لمآزقكم.

"حزب الله" ليس حزباً سورياً لكي يعتقد الممانعون الأهليون اللبنانيون أن تحرّكه في القنيطرة علامة عافية لشعاراته. على هؤلاء أن يقولوا لنا نحن المتربصين بأيّ خطأ في آدائه ما اذا كانوا يعتقدون أن سوريا بلد وأن لبنان بلد ثانٍ.

عليهم أن يقولوا لنا كيف يُسمح لحزب لبناني أن يُقاتل في سورية، ويُنكرون على لاجئ سوري هارب من جحيم الحرب التي يخوضها نظامهم عليه حقّه في أن يعبر الحدود إلى لبنان. القول بحق "حزب الله" بتجاوز الحدود للقتال لأن لا قيمة لهذه الحدود، عليه أن ينسحب على حق اللاجئ السوري في أن يعبر هذه الحدود أيضاً. لا بل أن هذا العبور المسلّح في مقابل العبور الإنساني يبقى مختلاً لمصلحة العبور الثاني، وها هي "داعش" تسعى لموازنته بعبور مسلح أيضاً.

كم أسأنا لفلسطين أيها الممانعون حين أقحمناها بحروبنا الأهلية. وكم يبدو الفلسطينيون بعيدين اليوم عن همومنا الحقيقية. هل تُدركون أن الجولانيين في المناطق المحتلة يُفضلون البقاء تحت سلطة دولة قبيحة وعنصرية ومُحتلة على العيش في ظل دولة البعث الممانع. نعم تُدركون ذلك، ولا تسألون أنفسكم عمّا يعنيه. فلسطين في وعيكم ليست أكثر من وعاء لحرب أهلية. فلسطين ليست نازحين وضحايا وأرضاً محتلة. تُفتح الجبهة على وقع جرح أهلي، وتُقفل بعد أن يُعاد توزيع الغنائم.

بالأمس لبنان، واليوم سورية، وبينهما العراق. مقاومات مقاومات. لا جواب عندنا على أي سؤال آخر يطرحه الزمن على قاطنيه. لا حدود ولا قوانين ولا تعليم ولا طبابة ولا تقدم. فقط مقاومة. فقط حروب أهلية. 

 

 

المصدر:now.