يجزم بعض المراقبين بأنْ لا رابط ظرفياً وسياسياً مباشراً بين غارة القنيطرة، وهجوم الحوثيين على القصر الرئاسي في صنعاء، في ما يشبه الإنقلاب على كلّ مخارج الحوار الوطني في اليمن.

فسياق الحدثين مختلفٌ على رغم الترابط العملي بين تجليات ما يحدث على مستوى المنطقة برمتها. غير أنّ هناك مَن يهمس بأنّ حادثة الطعن في تل أبيب قد تكون رداً سريعاً على الغارة!

ما جرى في اليمن يدفع المخاوف المتوقعة من تلك العملية الى حدِّها الأقصى، في وقت يَلفُتُ المراقبون إلى أنّ ما حصل لم يؤدِ حتى الساعة إلى إشاعة «الذعر» في صفوف الخليجيين أولاً، والأميركيين والغرب عموماً بالدرجة الثانية.

تقول أوساط ديبلوماسية عربية في واشنطن «إنّ ما قامت به إيران، سواء في العراق او سوريا او لبنان او غزة، وصولاً الى اليمن، لا يعدو كونه تطبيقاً مستنسَخاً لم ينتج حتى الساعة إلّا دولاً فاشلة، في وقت يرتدّ فيه الصراع ليستقرّ ما بين مكوّنات المنطقة».

فـ«الاسترخاء» الذي تُظهره دول الخليج مردّه الى تقييم لتجربة الهيمنة الإيرانية على تلك الدول، خصوصاً على العراق، والتي أنتجت بعد أقل من ثلاثة أعوام على خروج الأميركيين منه، فوضى عارمة وانهياراً شبه كامل لمنظومة الحكم الذي أقامته فيه.

فإذا كان نجاح طهران يُقاس بما حصل في العراق، فمن نافل القول إنّ ما يمكن أن يحصل في اليمن بعد «ابتلاع» السلطة فيه، قد لا يبشر بنتائج مختلفة.

هناك مَن يعتقد أنّ «البرودة» الأميركية ناجمة أيضاً من رهان وضمانات، ليس بالضرورة أن تكون على شكل تعهدات، بأنّ الوضع المقبل عليه اليمن قد يلبي إنجاز مهمة تطويق ما يمثله تنظيم «القاعدة» وإنهائه، ليغرق هذا البلد في صراعات لا يمكن التكهن بمداها الزمني، فيما «الأعراض» السلبية يمكن تحمّلها على المدى البعيد.

لا بل هناك مَن يعتقد أنّ ما جرى في العراق بعد إنهيار سلطة إيران فيه بداية الصيف الماضي، أنتج خيارات ذات دلالات واسعة عما تراهن عليه الولايات المتحدة في إدارتها لملفات المنطقة.

وتدعو تلك الأوساط الى عدم التقليل من معاني إستقبال واشنطن مرتين على التوالي وفداً عشائرياً سنّياً، في ما يشبه تشريعاً وتقنيناً لسبل التعامل مع المكوّنات الأهلية التي يتشكل منها نسيج بلدان المنطقة، مع إنهيار نموذج الدَولة الإستبدادية والفراغ السياسي الذي يتركه إضمحلال الأحزاب السياسية والعقائدية في معزل عن هويتها.

ومثلما تمّت حماية «الدويلة» الكردية وتشريع وجودها السياسي، يجري العمل على تأسيس كيان سياسي سنّي، يستنسخ تجربة «الصحوات» التي ابتدعها المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دايفيد بترايوس، خلال حربه على «القاعدة» في العراق بشكل موسع.

هكذا ينظر ايضاً إلى وعود الإدارة الأميركية ببناء معارضة سورية «معتدلة»، فيما الحديث عن إنهاء الأزمة السورية يعادل بهذا المعنى محاولة إستنساخ تجربة العراق، بعد الإقتناع بإستحالة إعادة عقارب الساعة الى الوراء، فيما بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس «دويلته» قد يتحوّل قضية، على أتباعه البحث عن حلول لها.

بهذا المعنى قد يكون ما جرى في القنيطرة رسالة سياسية متقدِمة جداً، لإفهام مَن ينبغي إفهامه أنّ المربعات «الدولتية» الجاري تشكيلها على الارض السورية، لا مكان فيها لقاعدة إيرانية متقدِمة مع إسرائيل، مع توقع عزلها قريباً وبشكل شبه تام عن محيط «دويلة» الأسد.

وتتحدث تلك الأوساط عن وهم تبتلعه إيران في المنطقة من بلد إلى آخر، وصولاً الى اليمن، لتتساءل عن قدرتها على إدارة بلد هو من الأفقر في العالم، ويحتاج كلَّ شيء ليستمرّ واقفاً على قدميه.

فحكم «صعده» غيره في صنعاء وعدن وباقي الأقاليم، ويُخشى أن يتعالى الصراخ سريعاً مع عوارض عسر الهضم المقبلة.
قد تجد إيران وقوى المنطقة نفسها مضطرة للتعامل مع «كيانات» يمنية لطالما غرقت في حروب داخلية على امتداد تاريخها القديم والحديث.
وهذا ما يرجِّح له أن يتعمّم، ليس في اليمن وحده بل في دول المنطقة كلها، حيث تعتقد طهران أنها تحقق دوراً إقليمياً متميزاً.     الكاتب: جاد يوسف