لماذا يتأثر المسلمون بالآتي من خلف البحار ؟ ولماذا عجزوا حتى الساعة عن تظهير هويتهم الفكرية بما يناسب مع تحديات الألفية الثالثة ؟ هذا هو السؤال المأزق ..ويخيل إليّ أن واحدة من تلك الأسباب التي جعلتنا في موقع المتلقي بدل أن نكون في موقع المبادر هي أن مراكز التخطيط في الغرب قد نجحت في إشغالنا ببعضنا حيث تحولنا إلى حطام ممزق بالعصبيات المذهبية والسياسية الفئوية وأصبحنا لا نتقن إلا فن الحماسة العابرة والتلهي بقشور الأمور ،مع إمتلاء مخيف في البيئة الإسلامية من الغرور الديني والعلمي والإقتصادي .

وأعتقد أن مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، تعاني من هذا الداء الوبيل في مختلف الجوانب، فلأنها تمتلك كثيراً من الثروات والإمكانات تقاعست عن الصناعة والزراعة وقضايا العلم، بل وأصبحت تترفّع عن العمل وتستزري الزراعة أو الوظيفة وتتكاسل عن الدراسة . وكل ذلك يؤكد غرورنا بما لدينا كما تؤكد غفلتنا عن مستقبلنا الاقتصادي وعدم الاهتمام به ، هذا فضلاً عن إهمالنا لمستقبلنا العلمي والفكري .وقد ضاع عند شبابنا الطموح، وأصبح طلابنا يكتفون بالشهادة التي تحقق لهم لقمة العيش وتفتح أمامهم مجالات الوظيفة والمنصب فحسب .

ومع هذه المشاكل البنيوية لا أعتقد أن إمتلاكنا لكم هائل من التراث والقيم سيجدي نفعاً في التقدم والتطور ،لإن تلك القيم ستبقى حبيسة الكتب أو حبيسة المنابر أو حبيسة الممارسة الفردية الذاتية دون أن يكون لها أي صدى وستكون يتيمة أيضاً إذا لم يتوافر لها عقول رائدة تخطط لأخذها إلى حيز التطبيق ، وقلوب تريدها وتفهمها ،وإرادة عزم أكيد على نشرها وإمكانات على نقلها إلى كل العالم بثقة وإقدام وروح رسالية ووحدوية جريئة .

وتراني أعتقد أن دون ذلك عقبات كثيرة لعل أبرزها أننا كعرب ومسلمين نهتم بتثبيت الحقائق الدينية الموروثة عن الأجيال ألأولى بهدف تغذية القلوب على حساب تغذية العقول وتطويرها ، حيث يتم الإستغراق بتثبيت تلك الحقائق مع الإصرار على رفض إرتباطها بالعوامل المحركة للمجتمع إجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً وسياسياً وشبه ذلك . والإصرار على إهمال الدراسة التاريخية لكل حدث ومفهوم ، ومن الواضح أن التاريخ هو ذاكرتنا للانطلاق في قلب الحاضر والمستقبل ، وكيف يمكن لأمة لا تريد أن تعيد كتابة تاريخها أن تليق بجرأة تشكيل الحاضر من أجل التخطيط لمستقبل زاهر وواعد .

ومن الواضح أن العيب هنا ليس في التمسك بتلك الحقائق والعقائد ، وإنما في عدم دراسة تاريخية تلك العقائد والحقائق والقيم دراسةً تتيح مجال التعرف عليها من جديد وتفتح العقول على المقصد التأسيسي الأعلى للرسالة القرآنية الجميلة ، فتعيد توحيد الوعي الإسلامي وتشكيله من جديد ليكون قادراً على نشر رسالته في العالم، ولا أظن أن ذلك ميسور ما دام الإنفصال والتجاهل قائماً بين التراث الشيعي والتراث السني .

ورغم إعترافنا بأزماتنا المتنوعة في هذا الجانب، ولكن ذلك لا يرفع من أسهم العقل الغربي وليس من الإنصاف أن تتم المقارنة بين ما هو الأسوأ لدى العقل الإسلامي والعربي بما هو الأجمل لدى العقل الأوروبي أو الأمريكي ،وذلك لأن العقل الغربي عموماً هو عقلٌ ذاتي وأناني من الوجهة الأخلاقية، فالفضيلة الغربية لا وجود لها بالنسبة إلى العالم الخارجي،لأنها قيمٌ وفضائل من الخدمات والحريات والديموقراطيات التي لا تشع على عالم الآخرين إلا بمقدار ما يكون الآخرون خداماً لمصالحهم أو وقوداً لحروبهم، لأنهم ببساطة هم خارج الحدود، وينبغي على المسلمين المغتربين لاسيما أولئك الذين يعيشون في البلاد الغربية ويلمسون الفرق بين تلك الحياة هناك والحياة في بلدانهم الإسلامية عليهم أن يعلموا بأن الغربي لا يحمل فضائله خارج عالمه هو، فخارج حدوده الأوروبية لا يكون إنساناً بل يكون أوروبياً. وهو لا يرى بعد ذلك أناساً بل مستعمَرين وبشراً من طبقة متدنيّة تستخدم حين الحاجة وقوداً لحروبه الشرسة أو الناعمة ومشاريعه الكبرى .

وإنّ مجتمعاتنا مضطّرة اليوم إلى الإدلاء باعترافاتٍ مؤلمة كلُ واحدةٍ منها أوهن وأمرّ من الآخر ولعلّ أهمّها توطن النموذج الـغربي في نفوس المسلمين وتسربه إلى أسواقهم وبيوتهم ومدارسهم وهيمنته على أسلوب حياتهم ونمط سياستهم وطريقة حكمهم على القضايا والأحداث من حولهم ،فلقد تغلغل الاستعمارُ الثقافيُ في قلب العالم الإسلامي والبيئة الإسلامية وكانت نتائجه أخطر على منهاج حياتنا من الاستعمار العسكري وذلك بما شوّهه من أصالة شخصيتنا وما أوهنه من قوة كياننا وقيمنا الجميلة .

وأسوأ ما فعلته حضارة الفتن الأمريكية بعد دمار الأرض وخـراب المدن والأحياء وإسقاط الشعوب تحت لافتات إسقاط الأنظمة هـو مـا فعلته في نفوسنا وأرواحنا وطباعنا حيث تبدّت التشـوهات النفسـية كأبشع ما يكون تشوه الإنسـان بين كافر فاجر ومنافق مكابر ومتكبر مـجاهر وخصم غـادر وأحمق تـائه وأمّعة متذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى أؤلئك حيث يميل مع كـل ريح وينعق مع كل ناعق وينتظر الميلة الكبرى ليحدد موقعه وموقفه من دون أسس منطقية ،وذلك وجه آخر من وجـوه الـعداء للإسـلام والمسـلمين ،إذ ليـس من المقبول أن يـكون المـرء مع الإسـلام والمسـلمين ثم يـدعم أعداء الإسـلام ويتستر على أعـداء المسـلمين ،

ولا نغفل في هذا السياق أن مشروع الإستعمار منذ البداية كان يقوم على جانب إشغالنا أو تجهيلنا فالإستعمار والإستحمار غالباً ما يتوافقان وهما ليسا نقيضين بل أحدهما مقدمة إلى الاخر وحتى تتضح الصورة الفلسفية في المنطق الغربي لهذا التطابق بينهما ينبغي أن ندرك أن الاستعمار أو الإستكبار العالمي ومن أجل الوصول إلى تطبيق أجندته ومشاريعه الخاصة ،فإنه يلّوح في ظروف محددة وظروف دولية مؤاتية بموضوع أو قضية أو شعار يستفزّ بها الشعب الذي يريد إستعماره ونهب خيرته حتى يثير غضبه، ويغرقه في حالة شبيهة بالحالة التنويمية أو يغرقه بمفاهيم جاهزة تتلائم مع متبنياته النفسية أو الإجتماعية أو الدينية ،فينطلق الشعب هستيريا وقد فقد شعوره وأصبح عاجزاً عن إدراك موقفه وعن الحكم عليه حكماً صحيحاً، فيوجه ضرباته وإمكانياته توجيهياً أعمى ودون أي تخطيط ، ويسرف من قواه من دون أي حسابات ودون أن يصيب في ذلك بطل الاستعمار في المجال السياسي، وهكذا يمضي الشعب الباسل والثوري في هذا الوضع الدرامي كأنما تضحياته ذاتها من النفس والنفيس جمّدته وقضت عليه بالبقاء فيما هو فيه متغافل عن أنه كان بنفسه أداة طيعة في خدمة مجانية غير مقصودة لعدوه اللئيم الذي أغرقه مسبقاً بألوان شتى من الأفهام والتصورات الخاطئة أو العصبيات المحمومة ، وقد أمسى اليوم هذا الواقع مفهوماً أكثر بعد سيناريوهات ما سمي بالربيع العربي والفخ الذي سقطت به الشعوب والأنظمة .

ونحن عندما نتحدث عن الغزو الثقافي والنموذج الغربي لا نقصد التقليل من شأن ما هو الجميل والرائع في شعوب الغرب فنحن نقر جميعاً أن القوم داخل بلدانهم وفي بيئتهم الداخلية وفي كثير من حيثيات النظام العام والأطر القانونية وبعض الجوانب الأخلاقية قد سبقونا بالفعل رغم ما نمتلك من تراث وقيم .. ولكن الحديث هو حول قطار العولمة الكاسحة والتي تعني قولبة العالم بأسره وطبعه بنموذج واحد وقالب واحد على حساب الهويات والخصائص الخاصة بالشعوب الأخرى .. إذن نحن نتحدث عن عالم العولمة الغربية التي تريد أن تتسلل إلى العالم بأسره فضلاً عن مجتمعاتنا الإسلامية لأخذها إلى عالم اللادين واللاأخلاق واللاهوية واللاقيم ،وهذا نقطة جوهرية تخشاها الشعوب الغربية والأجنبية تماما كما نخشاها نحن العرب والمسلمين وذلك لأنها تهدد القيم الإنسانية والأخلاقية وسائر الهويات والثقافات لجميع الشعوب في العالم .

ولأنهم يدركون أننا لا نمتلك في مواجهة هذه العولمة إلا بعالمية الإسلام التي لا تستهين بخصائص الأمم والشعوب فقد كان مشروعهم هو النيل من هذا الإسلام وتشويه صورته النبيلة وقيمه الجميلة بإستخدام جماعات التطرف والتكفير والإرهاب وقد نجحت الإسرائيليات الجديدة والمشركون الجدد في تظهير الدين الإسلامي بمظهر المضخة العملاقة لتثوير الفتن التاريخية والأحقاد التاريخية ؟وأنه النقيض لثقافة المحبة والسلام في العالم .

ويجبُ علينا أن نعترفَ أن أمريكا وحلفاءَها في الأنظمةِ الغربية،وعبيدَها في الأنظمةِ العربية،وبعد تواصل فشلهم في تحطيم الهوية الإسلامية وإخفاقهم في تفريغ الإسلام المحمدي من محتواه الأصيل،قد نجحوا في توليد إسلام حجري مخيف وغريب كلياً عن أصالتنا الحيوية وقيمنا الجميلة،وهو إسلامٌ أمريكي يمثّلُ أداةً مخابراتية تعمل لمصلحتهم وتساهم في خلق مناخات تمهد للسيطرة والتقسيم.. وكذلك تفعل مراكز الفساد والإفساد في العالم تطبخُ السمَّ في العسل،ثم تقولُ للناس:إنَّ علاجكم لديّ شرطَ القبول بمزيدٍ من النفوذ داخلَ دولكم،وشرطَ الرضا بتحويل الغنائم إلى خزائننا الدولية .

أما عن نقطة الغزو الإسلامي المضاد للبيئة الغربية فذلك من المشاريع الكبرى التي نطمح إليها وأعتقد أن اولى المهمات على هذا الطريق هو الإستفادة من سلاح الفن الإسلامي وسلطة الإعلام وما ينفتح على هذين الجانبين من مشاريع إسلامية عملاقة في جانبي الإقتصاد والإتصالات ، فمن الواضح اليوم أن الصراع الحضاري والخطر الذي تمثله العولمة وقيم المصالح الأمريكية والغربية عموماً لم يعد متواريا ، بل بدا ومنذ انتهاء الحرب الباردة يعبر عن نفسه علنا وعلى رؤوس الاشهاد ،حتى وصل الأمر إلى حد الإساءة والإهانة لرموز الإسلام ومقدسات المسلمين وهو أمر لم يكن في جوهره حديثاً فما قبل زوبعة الفيلم المسيء للنبي (ص) ومنذ عقود شاهدنا عشرات الافلام التي تشوه صورة العرب والمسلمين .

وقد كتب الغرب أشياء كثيرة ساخرة تشبه الفيلم المسيء لنبينا محمد .. وما قبل الفيلم المسيء للنبي محمد (ص) انتج الغرب افلاما مسيئة عن أنبياء الله سليمان وداود ونوح وابراهيم ولوط وموسى والمسيح والغاية واحدة .. وما بعد فيلم الرسالة المتواضع لم ينتبه المسلمون الى العلاقة بين السياسة وصناعة السينما ، بين الفن والفكر وأثرهما في بناء الكيان الإسلامي العالمي،بل لا يزال الانتاج الاسلامي للأفلام على حاله الجامدة باستثناء بعض الاعمال الايرانية الرائدة .

فالمسلم يقدم اليوم عبر الاعلام الغربي على انه إرهابي ، والعربى على انه بدوي جلف ، والخطورة في عملية التشوية هذه لا تكمن في ذلك بقدر ما تكمن في تصوير الإسلام على انه المحفز على الارهاب وأن العلة تكمن في بنيته الاعتقاديه وطبيعه تعاليمه ، وبالتالي فان القضاء على الارهاب الديني لن يجدي نفعا طالما بقي المفاعل الذي ينتج الارهاب كفكرة وفلسفة حياة وهو الإسلام في نظرهم، وهكذا فان الغرب تعامل على الدوام مع الإسلام باعتباره خطرا يجب القضاء عليه .

ورغم ذلك كله فإن لدى الغرب قناعة تعترف بالفن الإسلامي وجمالياته المتنوعة ولديهم أيضاً قدرة على الانسجام النفسي البعيد عن التحيز من خلال ميدان التذوق الفني لجماليات فنون الحضارات الشرقية ، وهنا نجد لدينا بابا واسعاً لغزوه فكريا ونفسيا وذلك من خلال إنتاج الكثير من الاعمال الفنية التي تحمل خصائص حضارتنا وديننا على أن تكون ذات تقنية ومهارة مرتفعة توازي إنتاجاتهم وتحقق الكثير من المنفعة في الحياة العملية والإقتصادية ، فمن خلال الفن يمكن غزو الغرب ثقافيا واقتصاديا واخلاقيا ، ومنه يكون المردود الإيجابي على المجتمع الإسلامي ، من حيث جذب الاحترام لشخصيتنا وثقافتنا وعقيدتنا وجذب الشعوب إلى هذا التراث العظيم من القيم الإنسانية .

وإن رسالة الفن اليوم لم تعد تقتصر على الترفيه وحسب بل اصبحت رسالة ذات مغزى خاصة اذا كانت نابعة من عواصم الممانعة والرفض، وتعمق الانتماء للأمة ولقضايا الشعب وتجلي الذاكرة العربية باتجاه القضية المركزية في فلسطين .

أما عن سلطة الإعلام التي تتقاطع أحياناً كثيرة مع مشاريع الفن والسياسة فمن الواضح اليوم أن للإعلام سلطته المؤثرة، وها نحن نرى اليوم كيف تحولت كثير من مواقع هذا الإعلام إلى منابر طائفية بامتياز ، هذا في وقت لا نجد لمشروع الإعلام الإسلامي أي حضور إعلامي إيجابي على مستوى نشر الإسلام وقيمه في العالم ، وكيف يمكن لإعلام إسلامي أن يقوم بمهمة الغزو الإيجابي للعالم وهو مشغول ببثّ ثقافة الفرقة بين المسلمين أنفسهم، أو استفزاز الطرف الآخر، أو تكفير هذا الفريق لذاك الفريق؛ أو ممارسة الشحن الطائفي بأشكال مختلفة .

فنحن بحاجة إلى إعلام إسلامي عالمي، يخطط وينفذ بمبادرات عملانية تستطيع اختراق العالم الغربي ليوصل رسالته بشكل منظم وفاعل ومؤثر وسواء في ذلك رسالته السياسية أو رسالته الدينية

وهذا يعني أننا بحاجة إلى شركة إنتاج إسلامية تقدّم لنا أفلاماً سينمائية تحكي فيما تحكيه العلاقة بين المسلم وغير المسلم وبين الشيعي والسنّي وبين الديني والعلماني وبين المثقف والسلطة وبين الدين والدنيا ،لتحفر في العقل الباطن صورةً جديدة لهذه العلاقة فتحرّك العواطف وتثير الحسّ الإنساني ومشاعر الرحمة والمودة وتؤكد على المشتركات الإنسانية بين الشعوب وعلى موضوعات سلام السلطة وسلام الأديان وسلام المجتمع، وهو ما لم نجده في أعمالنا التلفزيونية والسينمائية والمسرحية والفنية إلا قليلا.

إذن ..نحن بحاجة إلى أن يلعب الفنّ والشعر والقصّة والرواية والأفلام الكرتونية التي تخاطب أطفال العالم أيضا دورها الفعال في إحداث تغيير ونقلة نوعية عجزت عنها الوسائل والأساليب القديمة التي لم تعد ناجحة في التعبير والتغيير ،وما من شك في أن ذلك كله مقدمات أساسية لا يجوز إغفالها في قيامة أي مشروع عالمي للإسلام وهو يلعب دوراً كبيراً في حفر وعي جديد يمكن على أساسه أن نبني بيئة إسلامية جديدة ورسالة عالمية حاضرة بقوة من غير رتوش ولا تدليس .

ولا نغفل في هذا السياق المادة الأخلاقية والإنسانية من المحطات الخالدة لتاريخ الإسلام وحياة أهل البيت والصحابة والتابعين حيث نجد في التراث الإسلامي الكثير من القصص والقضايا والمحطات الغنية بأروع الأحداث والقيم والمثل التي يجب إخراجها فنيا بصورة تتناسب مع مشروعنا الإسلامي العالمي ، ومع عشق الشعوب قاطبة للعدالة والقيم وبحثها الدائم عن القدوة والمثال الإلهي في الأرض ،هذا إذا أردنا بحق أن يصل صوت الإسلام إلى كل العالم في ظل التحديات والظروف الحساسة التي تمر بها أمتنا الإسلامية في العالم .

وختاماً .. أعتقد أن المفتاح الذهبي إلى عالمية الإسلام يتمثل في جعله الغاية المقصودة بذاتها بدل أن يكون الإسلام على الهامش وتكون المذاهب والتيارات الإسلامية هي الأساس ، وهنا ندرك أن لا قيامة لمشروع إسلامي عالمي من دون العمل الخالص على قيامة مشروع وحدة إسلامية صادقة تضع الفروقات الفقهية والسياسية فيما بينها جانباً ضمن الأطر العلمية الخاصة أو الحوارية المغلقة لصالح المشترك من مبادئ الإسلام الحنيف وتعاليم النبي الأكرم محمد (ص) . وهنا يصبح العمل على ترميم البيت الداخلي لأي مذهب من المذاهب مقدمةً أسياسية لبلوغ المرتجى من وحدة الموقف والمشروع العام وإن الـعمل على إصلاح ما في الدار لا يعني إهمال حديقته ولا إهمال الحي وساكنيه ،

وإن العمل على إصلاح ما فسد من المذاهب لا يعني الإساءة إلى أي مذهب من المذاهب الأخرى،فيمكن للداعية المخلص أن يدعو إلى الوحدة المذهبية وفي نفس الآن يدعو إلى الوحدة الدينية العامة ، ولا أدري لماذا إصرار البعض على وضعنا بين خيارين وتصويرهما بصورة المتناقضين ،أفلا يعتبر العمل على توحيد الساحة الشيعية مثلاً عنصرا حيويا من عناصر الإنطلاق نحو الوحدة الإسلامية وتجليات شجرتها الوارفة ؟ومن هنا اعتقد أن كثرة التشرذمات داخل المذهب الواحد يعتبر من أدهى العوائق العلمية والعملية أمام مشروع الوحدة الإسلامية بـحيث يصبح ضبط العناصر الموتورة أيسر من ضبطها في ظل المزيد من الإنقسامات والتكتلات والـتيارات التي تتشابه أحـيانا في فـوضوية تـوجهاتها وأيديولوجياتها مع مزرعة البصل حيث يقول كل واحد منها أنا أنا ،وتكون المأساة حين تحضر الخطابات المذهبية المتطرفة في تشوهاتها ويغيب الإسلام في إشراقاته . وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .