عبثاً سينتظر لبنان انتهاء الأزمة. ولن ترمي «داعش» و«النصرة» ورقة العسكريين المخطوفين حتى الربيع المقبل على الأقل. فمن دونها يصعب تحقيق أهداف كثيرة معلنة. ولكن أيضاً، يصعب تمرير رغيف واحد وبندقية واحدة وخرطوشة واحدة إلى لبنان...

عندما خطفت «داعش» و«النصرة» نحو 30 عسكرياً لبنانياً في عرسال وجرودها، قبل أشهر، لم تكونا على الأرجح تُخطّطان لهذا الحجم من المطالب والشروط والضغوط وعمليات الإبتزاز.

كانت المعركة دائرة في عرسال، والمطلوب يومذاك من عملية الخطف أن تحقق ثلاثة أهداف:

- إجراء عملية تبادل مع أكبر عدد من الموقوفين الإسلاميين في رومية.

- إجبار الأجهزة اللبنانية على وقف مداهماتها وكشف الخلايا الإرهابية.

- إعاقة محاولات الجيش للسيطرة التامة على عرسال ومناطق أخرى.

ولكن، ومع الوقت، بدأ التنظيمان يستغلّان الإرتباك الحكومي في المعالجة ويوغلان في الابتزاز، مستخدمين التصفية واللعب على أعصاب ذوي العسكريين. والواضح أنّهما يماطلان عمداً في إنهاء الملف بعدما اكتشفا حاجتهما الماسّة إليه.

ولذلك، أضاف الخاطفون إلى شروطهم إطلاق سجناء وسجينات من السجون السورية. ويدرك هؤلاء أنّ هناك إحراجاً لبنانياً رسمياً في التفاوض الرسمي العلني مع دمشق والمطالبة بالإفراج عن سجناء لديها، لأنّ ذلك يثير إشكالية في العلاقة ما بين لبنان والنظام السوري.

فأيّ فتح لملف التفاوض بين الحكومتين اللبنانية والسورية سيؤدي إلى توسيع مشكلة المخطوفين وتشعُّب تعقيداتها. فدمشق ستتلقف الطلب اللبناني للتفاوض، وتطرح سلّة مطالب وشروط أين منها شروط «داعش» و»النصرة».

فبين لبنان وسوريا ملفات عالقة تنتظر لحظة المساومات والصفقات المفترضة. فهناك ملفات سياسية وأمنية وقضائية في القضاء اللبناني تطالب دمشق بإنهائها، وهي كثيرة، وبعضها معلن وواضح وبعضها مستتر. وفي اللحظة التي يبدأ فيها لبنان بمفاوضة سوريا في ملفات التبادل، تحت الضغط بتصفية عسكريّيه، سيفتح باباً لابتزازات لا حدود لها، من ملف اللاجئين إلى الأمن إلى القضاء وحتى التدخل الذي كان معتاداً في الشؤون الداخلية.

ويُبدي النظام في سوريا استعداداً للمساهمة في معالجة ملف المخطوفين العسكريين، إذا طلب لبنان منه رسمياً وعلناً ذلك، وفتح معه خطوط التفاوض. وتردّد أن دمشق مستعدة لفتح معبر آمن في القلمون لـ«داعش» و»النصرة» إذا كان ذلك يخدم إطلاق العسكريين... ولكن، في ضوء ما يتقرّر في الأقنية بينها وبين الجانب اللبناني الرسمي، أي في ضوء الإستعدادات اللبنانية لتقديم التنازلات.

وفي الانتظار، يُفضّل الخاطفون أن يحتفظوا بالعسكريين لاستخدامهم وقوداً لتمضية فصل الشتاء وعبور الطرق البديلة من الطرق المقطوعة بالثلوج. فلبنان لن يذهب بعيداً في رصد «داعش» و»النصرة» وقطع خطوط التموين من القلمون إلى لبنان، خوفاً من ردّة فعلهما، أي الانتقام من العسكريين المخطوفين.

ويُدرك الخاطفون جيداً أنّ دمشق لن تفرج عن السجناء والسجينات لديها إكراماً للبنان، وأنّ الحكومة اللبنانية ستبقى غارقة في عجزها عن إنهاء الملف. ومن نماذج هذا العجز المهين، مثلاً، عدم القدرة أو عدم الرغبة في الدخول إلى سجن رومية وإحضار الموقوفين إلى قصر العدل! أمّا العجز الأكبر فيتجلّى أيضاً بعدم الإقدام على أي خطوة حاسمة، لا بالمفاوضة المباشرة والمقايضة الصريحة، ولا بالمواجهة الحاسمة.

وهكذا، يستفيد من الملف المفتوح الطرفان المفترض أنهما عدوّان:

- «داعش» و«النصرة» اللذان يبتزّان لبنان بما يُحقّق لهما الفرصة لتمرير الوقت.

- النظام السوري الذي له مصلحة في استثمار ورقة الخطف لابتزاز لبنان واستعادة أوراق انتُزعت منه في «لحظات التخلّي».

إنّ الخبثاء هم الذين يتحكّمون بملف العسكريين المخطوفين، أمّا لبنان وعسكريّوه فهم الذين يدفعون الثمن. وليس هناك مِن مخرج سوى أن تحزم الحكومة اللبنانية أمرها وتحسم. ولكن كيف يكون الحزم والحسم، إذا كانت الحكومة تضم عدداً لا يستهان به من الوكلاء الحصريين للقوى والمحاور الإقليمية؟