لم أتناول قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لأسباب كثيرة، منها مشاركة ذويهم الألم الكبير والخوف الأكبر عليهم وتفهّم نزولهم إلى الشارع. ومنها أيضاً الاقتناع بعدم جدية الخاطفين في حل هذه القضية، وبرغبتهم في استعمال ذوي المخطوفين أداة لابتزاز الدولة بمطالب تعجيزية، وباستغلال الصراع المذهبي بين المسلمين، وبتشجيع تعدّد الوسطاء وتعمّد إفشالهم وتحميل الدولة المسؤولية. ومنها ثالثاً عدم قيام الجهات العربية والإقليمية المتَّهمَة، وليس زوراً، بدعم "داعش" و"النصرة" بالضغط على الخاطفين لإطلاق أسراهم. ومنها رابعاً انقسام الحكومة حول طريقة استعادة المخطوفين على رغم موافقة الأجنحة المتناقضة فيها على المقايضة "المبدئية". فبعضهم لا يمانع في تلبية مطالب الخاطفين كلها.

وبعضهم الآخر يطالب بالإبقاء على منفّذي العمليات الارهابية ومخططيها. ومنها خامساً تكاثُر عدد الوسطاء ومن دون تكليف رسمي وتعامل الحكومة معهم على أنهم مكلّفون. وقد استغلّت الجهات النافذة لدى "داعش" و"النصرة" ذلك للانسحاب رسمياً من الوساطة مع الخاطفين. ومنها سادساً إحجام الجهات الأمنية والعسكرية والقضائية اللبنانية عن وضع جدول مفصّل بالإسلاميين المتهمين بالارهاب وبالاتهامات الموجهة إليهم، وذلك من أجل اختيار مَن يُطلَق ومَن يبقى.

ومنها سابعاً أن تصرّف الأطراف اللبنانيين المتناقضين حيال هذه المسألة نابع أساساً من موقفهم المبدئي والعملي من الحرب الدائرة في سوريا. فهؤلاء فريقان على وجه الإجمال.

وكل منهما حليف لجهة سورية متورّطة عسكرياً وسياسياً أو سياسياً فقط بالحرب المذكورة. ولذلك، فإن كلاً منهما يحاول بمواقفه من قضية المخطوفين كما من قضايا أخرى أن يفيد الفريق السوري الذي يعتبره حليفه أو قريباً منه. وطبيعي في حال كهذه أن تتعقّد الحلول. هل من اقتراحات حلول ممكنة؟ يقترح البعض عودة التعاون الأمني والعسكري بين لبنان وسوريا، وقبله الاتصال ثم التفاهم بين حكومتيهما.

وهذا أمر يرفضه قسم كبير من اللبنانيين. ويقترح البعض الآخر اللجوء إلى الحل العسكري بتكليف الجيش تنفيذ عملية أمنية أو عسكرية لاستعادة المخطوفين. وهذا اقتراح "إعلامي" حتى الآن، لكنه لا يبدو قابلاً للتنفيذ، ويُخشى أن يكون الهدف منه توريط الجيش وخصوصاً بعد "النفخ" الذي يتعرض له منذ مدة طويلة لأسباب عدة لن نخوض فيها، والذي ازداد بعد تأكيد السعودية وفرنسا وأميركا عملياً حرصها على مساعدته ورهانها عليه. ويقترح البعض الثالث أن يُكلّف الجيش عبر قيادته أو قائده التوسّط مع الخاطفين. وذلك قد يكون "فخّاً" له وللمؤسسة.

ذلك أن المشكلة هي عند الحكومة بأطرافها المتناقضين الذين عليهم تكليف وسيط واحد لا يكون "جزءاً" من المواجهة العسكرية مع الخاطفين.

ويقترح البعض الرابع تفاوض الحكومة مباشرة مع الخاطفين، والتوصل إلى وقف إطلاق نار معهم وربما إلى هدنة، لأنهم صاروا دولة على حدود لبنان الشرقية والجنوبية الشرقية. وهذه الدولة تستعد لحرب فاصلة تستعيد بموجبها عرسال، أو لاحتلال قرية أو بلدة وارتكاب مجزرة "مذهبية" فيها. كما أن بعضها يستعد لفتح حرب شبعا ومن خلالها حرب الجنوب.

طبعاً لن أخوض في أي اقتراح هو الأفضل. فتلك مهمة الحكومة التي يفتح كل من أطرافها على حسابه في هذه القضية وغيرها.

لكنني أدعو إلى عدم توريط الجيش في أي خيار، سوى الدفاع ومواجهة إرهاب الداخل تلافياً لمفاجآت كارثية. فهو "العمود" الوحيد للوطن اليوم و"أساسه"، ولن تجعله المساعدات الخارجية، على أهميتها، قادراً على الانتصار وحده في حرب، يقول "التحالف الدولي لمكافحة الارهاب" الذي تقوده أميركا، والذي عنده جيوش جرارة وإمكانات هائلة، إنه يحتاج إلى 3 سنوات على الأقل للانتصار فيها.