ما كانت تتخوف منه اوستراليا وأعدّت العدة اللازمة لِخنقه في مهده، ظهر اليوم من خلال احتجاز مسلح عددًا من الرهائن في مقهى "شوكولا لينت" بسيدني وإجبارهم على رفع علم "داعش". فالاجهزة الاوسترالية كثفت في الاشهر الماضية تحقيقاتها بشأن أعضاء مفترضين يؤيدون "داعش" في اوستراليا، وقد ينفذون أي عملية امنية لهذا التنظيم الارهابي، او لمقاتلين مفترضين انضموا او قد ينضمون للقتال الى جانب داعش في سوريا او العراق. ووفق المعطيات الاولية التي اعلنت عنها الحكومة الاوسترالية في الآونة الاخيرة، يبدو انها حققت انجازاً امنياً في هذا الموضوع، لجهة التأكد من عدم وجود بيئة جماعية حاضنة لهذا التنظيم باستثناء بعض الحالات الفردية والتي ظهرات اليوم في سدني.

من هو الجاني؟
وفق معلومات أمنية حصلت عليها "النهار" صباح اليوم من مصدر اغترابي اوسترالي يعرف الشخص الذي نفذ الاعتداء، فانه" من اصل ايراني يدعى هارون مونيس ويعاني من اضطرابات عقلية ويدعي انه شيخ وكان يعطي دروساً في الدين الاسلامي وهو في العقد الرابع من العمر ولديه مشاكل مع الشرطة الاوسترالية بسبب قضايا جنائية من بينها الاشتباه بدور له في اغتيال زوجته السابقة". كما هو متهم ببعث رسائل كراهية لاسر جنود أوستراليين قتلوا في الخارج. وأكدت المصادر ان "الاحتياطات المتخذة من الشرطة خففت من ضرر الحادث وان وصولها بهذه السرعة الى مكان الحادث خفف كثيراً من حركة الجاني وأفقده تركيزه". ووصل مونيس الى سيدني في العام 1996 بصفة لاجىء سياسي ايراني

 

ولفتت أقوال وكتابات متداولة لمونيس تم تناقلها عبر مواقع الانترنت، ومنها ما يؤكد مبايعته لـ"خليفة هذا الزمان" من دون تسميته، وفي مكان آخر، توقف البعض عند عبارة منسوبة للجاني وهي: "لقد كنت رافضياً (كلمة تستخدمها التنظيمات المتطرفة للدلالة على اتباع الطائفة الشيعية)، ولكني لم أعد كذلك، والحمدالله". 

هل هناك لبنانيون من بين المحتجزين؟
وبات من المؤكد انه ليس من بين المحتجزين، اي اوسترالي من اصل لبناني، وفق ما أكد قنصل لبنان في سيدني جورج بيطار غانم لـ"النهار"، 
وفي الاطار نفسه قال مطران الموارنة في اوستراليا انطوان شربل طربيه لـ"النهار" " لا لبنانياً بين المحتجرين والشرطة الاوسترالية تسيطر على الوضع وتعمل على اطلاق المحتجزين سالمين".

لم يخفِ اي من المسؤولين اللبنانيين في اوستراليا او الجالية اللبنانية تخوفهم من ما يجري على الأرض الا انهم على ثقة بان الاجراءات التي تقوم بها الحكومة قادرة على ضبط الوضع ومنع اي حوادث ارهابية في البلاد.

حادث مفاجىء
واعتبر القنصل غانم ان "موجة التطرف التي ظهرت في الاونة الاخيرة في سيدني وارتباط بعضها بعدد من اللبنانيين مقلقان لكن الامر لم يمنع الجالية اللبنانية من التوحد في وجه هذه الهجمة التي لا تعبّر عن اللبناني وعن انتمائه للمجتمع الاوسترالي التعددي". واضاف ان "الجالية صدمت بوصول "داعش" الى سيدني لاعتبارها انها بعيدة جدًا عن ما يجري في الشرق الاوسط". واوضح انه "في السابق انضم بعض المتحمسين الى "داعش" للمشاركة في القتال الى جانبه، لكن اليوم الحكومة الاوسترالية شددت اجراءات السفر بعدما رصدت حالات عدة تؤكد سفر البعض الى سوريا والعراق".

 

عمل ترهيبي
المطران طربيه اعتبر ان "الاحداث الامنية التي تحصل في اوستراليا بسبب الوضع في الشرق الاوسط تؤثر سلباً على الوضع الامني في اوستراليا ككل، فهذا الحاث فاجأ الجميع لانهم اعتبروا انهم بعيدون عن هذا التطرف وانه لن يصل الى هنا". واضاف: "لكننا نثق بالاجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية والمحلية وحضورها السريع لاحتواء العمل الترهيبي ".
واوضح ان "الحكومة اتخذت اجراءات وقائية تمنع سفر بعض الاوستراليين للمشاركة في القتال وبدأت بتنفيذها بعدما تمكنت من تحديد مكان ثمانين في المئة من هؤلاء وهي تعمل على ملاحقتهم".
واعتبر ان "المجتمع الاوسترالي تعددي ويدعم الحفاظ على الانتماء الاثتني والديني، واظن ان واقع الحرية التي تقدمها اوستراليا تم الاستفادة منه ما سهل نمو ظاهرة التطرف وتشجيع الشباب الاوسترالي للمشاركة في القتال الى جانب داعش". ولم يتخوف طربيه من اي اعتداء على الجالية المارونية، وقال "نحن كرؤساء الطوائف متفقون فيما بيننا على رفض اي تطرف وهناك اجتماعات متواصلة وتنسيق كامل على جميع الاصعدة". وعن العلاقة مع الحكومة الاوسترالية وانعكاس ما يجري على الجالية اللبنانية، اكد ان "العلاقة مع الحكومة جيّدة جداً ولن تؤثر عليها تصرفات بعض الاشخاص المتطرفين".

خلايا نائمة
رئيس تحرير جريدة "النهار" الاوسترالية انور حرب قال لـ"النهار" ان "العمل الذي حصل اليوم مشين ويؤكد ان هناك خلايا نائمة تدعم هذا التطرف ونأسف انه خلال النقل المباشر لاحداث هذا الاعتداء اتصل بعض الاشخاص الاوستراليين واكدوا دعمهم له ولداعش". واسف لما يحصل في اوستراليا وقال ان "الجالية اللبنانية باغلبيتها المطلقة اوسترالية اكثر من الاوستراليين لكن هناك البعض يدغدغهم التطرف ويشكلون بيئة حاضنة له ولحسن الحظ ليسوا كثراً". ولم ينفِ حرب وجود "نقذة" عند الاوستراليين من ما يجري قائلاً ان "البعض في الشارع الاوسترالي يدعو الحكومة الى اخذ العبرة من ما يجري والتخفيف من كثرة الحرية والتعددية في المجتمع".

أمن اوستراليا من أمننا
احد افراد الجالية اللبنانية د. جمال ريفي وهو شقيق وزير العدل اشرف ريفي قال لـ"النهار" ان " ما جرى اليوم ليس الحادث الاول الذي يضع الجالية اللبنانية والمسلمة تحديداً امام هذا الموقف، فمنذ احداث 2011 ونحن نعاني من هذه الاحداث التي تنعكس سلباً على جاليتنا، لكن ما جرى اليوم يضعنا تحت ضغط كبير وبفضل قيادات الجالية وحكمتها تمكنت من تخطي هذا الضغط، من خلال الموقف الموحد الذي اتخذ في وجه هذا العمل البربري لأن أمن اوستراليا وسلامتها من امن الجالية وسلامتها، ومساء اليوم أقمنا صلاة مشتركة
امام مسجد لاكمبا في سيدني، شارك فيها حاخام يهودي وشيخ وراهب للصلاة من اجل الافراج عن المحتجزين سالمين".
وجدد ريفي رفض الجالية اللبنانية لاي عمل بربري يقوم به اي شخص مهما كان انتماؤه العرقي. وقال "الحكومة الاوسترالية لم تتخذ اي موقف سلبي تجاهنا بالعكس اتخذت اجراءات امنية لحمايتنا على اعتبار اننا مواطنون اوستراليون مثل اي مواطن اوسترالي اخر". وختم قائلا : "الجالية اللبنانية والمسلمة تحديداً ترفض اي عمل ارهابي ولن تكون يوماً بيئة حاضنة له، لكن هذا لا ينفي وجود بعض الاشخاص المؤيدين للتطرف انما يبقى ذلك في الاطار الفردي وليس الجماعي كما هو حاصل في دول عدة".