ماذا وراء اليافطة في الضاحية الجنوبية: "المسيح قام.. حقاً قام"؟؟

قد يتحدث البعض عن دعاية سياسية بارعة، والبعض الآخر عن محاولة من حزب الله لاحتواء الاقليات لشدّ روابط تحالفهم في المنطقة، ولذلك انتشرت صور لمقاتلي الحزب يلقون التحية العسكرية لتمثال السيدة العذراء في سوريا. يقولون ان هذه الصورة ليست عفوية، بل هي جزء من حرب حزب الله الدعائية، يريد ان يقول خلالها، انا لست ارهابياَ، انا بعكس من أُقاتل، احترم المسيحيين ومقدساتهم.


في الامر الكثير من المنطق فالحزب اشتهر بدعايته السياسية الهادئة والفاعلة، لكن لدى العقائديين قاعدة ايمانية تقول، "لا يطاع الله من حيث يعصى". اي انه من غير الجائز دينياً استعمال وسيلة فيها مخالفة للدين والعقيدة لتحقيق امر ما يرضي الله. هذه هي القاعدة، واذا قلنا ان القاء التحية على تمثال السيدة العذراء ليس امراً مخالفا للدين والعقيدة، وتاليا يمكن ان يكون دعاية سياسية، بماذا يمكن تفسير ما علّق من يافطات في الضاحية الجنوبية لبيروت في مناسبة عيد الفصح؟

انتشرت الكثير من اليافطات في ضاحية بيروت الجنوبية تعايد المسيحيين. الامر الى الآن طبيعي، بل واكثر. الا ان غير الطبيعي هو العبارة التي ارفقت مع هذه اليافطات، "المسيح قام.. حقاً قام". ان ما علّق في الضاحية من يافطات طبع عليها صور السيد المسيح مصلوباً، هو انعطافة كبيرة في فكر حزب الله. المسيح في عقيدة الحزب والمسلمين جميعاً لم يصلب وتالياً لم يقم. لقد قرر حزب الله عن طريق بلديات المنطقة (التي لا تقوم بشيء دون موافقته) معايدة المسيحيين وفق معتقداتهم. لم يقل لهم فصح مجيد. قال: "المسيح قام حقاً قام".

قد تبدو القصة بسيطة، لكن من يعرف طريقة تفكير "حزب الله" يعرف ان الامر ليس بسيطاً. ليس سهلا ان تضع صوراً للمسيح معلقاً على الخشبة في الضاحية. ليس سهلاً ان تقنع ناسك (جمهور الحزب) الذين اخبرتهم يوماً، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، ان جميع الطوائف في لبنان توابع نتحالف معهم دون تنازلات لنحقق اهدافنا السياسية والعسكرية وتاليا العقائدية، ليس سهلا ان تقنعهم ان الزمن اليوم هو زمن تقبل الآخر كما هو. احترام الآخر كما هو. ليس سهلا القول في الضاحية المسيح قام، فهو لم يصلب، وهو عائد وفق عقيدة "الشيعة" مع الامام المهدي الذي يحاربون اليوم في سوريا من اجله.

لقد حاول الحزب قبل سنوات فرض على عناصره الذين يقودون دراجات نارية ارتداء الخوذ. عوقب كثر من العناصر الذين خالفوا القرار، حتى اصبح اليوم ارتداء الخوذ عادة يلتزم بها جميع عناصر حزب الله. حاول الحزب يومها الارتقاء بجمهوره الى الاحسن. لم يكن الامر سهلاً، لكنه نجح في النهاية. واليوم ايضاً يحاول الحزب الارتقاء بجمهوره مجددا، بعد قناعة يبدو انه اكتسبها باعتبار الآخر شريك كامل الحقوق، ليس في الاعلام فقط، بل بالواقع. يبدو ان الحزب يريد اليوم اقناع جمهوره بمنطقه الجديد.

صحيح، قد يكون ما علّق في الضاحية وما قام به المقاتلون من القاء للتحية على تمثال السيدة العذراء في سوريا، هو جزء من بروباغاندا الحزب، لكن الاكيد ان هذه البروباكاندا وللمرة الاولى ليست موجهة للآخر (المسيحيين في هذه الحالة)، بروباغاندا الحزب موجهة اليوم الى جمهوره الى جمهوره حصراً، الذي يبدو انه لم يمتعض. فهو لم يحرق او يمزّق اي مما علق لانه يخالف عقيدته، بل على العكس، جمهور الحزب تلقف بسرعة هذه المبادرة وساهم بنشرها متبنياً، وما عليكم الا مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن ما رأي الدين في هذا الموضوع؟ يبدو ان التصرف في الذي حصل في الضاحية فاجأ كثر من رجال الدين، واحدث حال من الارباك. حاولوا التهرب من الحديث عن الموضوع. قال احدهم لموقع "ليبانون ديبايت"، ان معايدة المسيحين امر طبيعي، وليس امراً مكروهاً في الدين بل على العكس. وقال آخر المشكلة فقط في العبارة التي وضعت، ففي عقيدتنا المسيح لم يقم لانه لم يصلب. رجل دين آخر اعتبر ان المجاملة في الاعياد واجبة، لكن ليس الى هذه الدرجة التي تطيح بالنص القرآني.

تظهر هنا معركة "حزب الله" الحقيقية. تظلل الحزب بصفة البلدية ليعلق اللافتات التي تقبلها جمهوره بسرعة وسهولة، لكن رجال الدين يبدو انهم لم يستسهلوا الامر. تبدو هنا معركة الحزب في التطوير الديني الاجتماعي. حرب قد تبدو اكثر صعوبة من حروبه العسكرية، فهل ينجح؟ او يستسلم للواقع؟

خاص "ليبانون ديبايت" - وائل تقي الدين